سورة الأحزاب - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحزاب)


        


{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)}
قرئ: {وملائكته} بالرفع، عطفاً على محل إن واسمها، وهو ظاهر على مذهب الكوفيين، ووجهه عند البصريين، أن يحذف الخبر لدلالة يصلون عليه {صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ} أي قولوا الصلاة على الرسول والسلام. ومعناه: الدعاء بأن يترحم عليه الله ويسلم.
فإن قلت: الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم واجبة أم مندوب إليها؟ قلت: بل واجبة، وقد اختلفوا في حال وجوبها. فمنهم من أوجبها كلما جرى ذكره. وفي الحديث: «مَنْ ذكرتُ عنده فلمّ يصلِّ عليَّ فدخلَ النار فأبعَده الله»، ويروى: أنه قيل: يا رسول الله، أرأيت قول الله تعالى: {إِنَّ الله وملائكته يُصَلُّونَ عَلَى النبى} فقال صلى الله عليه وسلم: «هذا من العلم المكنون ولولا أنكم سألتموني عنه ما أخبرتكُم به، إنّ اللَّهَ وكّل بي ملكين فلا أذكرُ عبد مسلمٍ فيصلي عليّ إلاّ قال ذانكَ الملكان: غفرَ الله لكَ، وقال الله تعالى وملائكته جواباً لذينك الملكين: آمينَ، ولا أذكرُ عند عبدٍ مسلمٍ فلاَ يصلي عليّ إلاّ قال ذانك الملكان: لا غفرَ اللَّهُ لكَ، وقالَ اللَّهُ وملائكتهُ لذينك الملكين: آمين»، ومنهم من قال: تجب في كل مجلس مرة، وإن تكرر ذكره، كما قيل في آية السجدة وتشميت العاطس، وكذلك في كل دعاء في أوله وآخره. ومنهم من أوجبها في العمر مرة، وكذا قال في إظهار الشهادتين. والذي يقتضيه الاحتياط. الصلاة عليه عند كل ذكر، لما ورد من الأخبار.
فإن قلت: فالصلاة عليه في الصلاة، أهي شرط في جوازها أم لا؟ قلت: أبو حنيفة وأصحابه لا يرونها شرطاً، وعن إبراهيم النخعي: كانوا يكتفون عن ذلك- يعني الصحابة- بالتشهد، وهو السلام عليك أيها النبي، وأما الشافعي رحمه الله فقد جعلها شرطاً.
فإن قلت: فما تقول في الصلاة على غيره؟ قلت: القياس جواز الصلاة على كل مؤمن، لقوله تعالى: {هُوَ الذى يُصَلّى عَلَيْكُمْ} [الأحزاب: 43] وقوله تعالى: {وَصَلّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صلواتك سَكَنٌ لَّهُمْ} [التوبة: 103] وقوله صلى الله عليه وسلم: «اللَّهم صلّ على آل أبي أوفى» ولكن للعلماء تفصيلاً في ذلك: وهو أنها إن كانت على سبيل التبع كقولك: صلى الله على النبيّ وآله، فلا كلام فيها. وأما إذا أفرد غيره من أهل البيت بالصلاة كما يفرد هو، فمكروه، لأن ذلك صار شعاراً لذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنه يؤدي إلى الاتهام بالرفض. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فلا يقفن مواقف التهم».


{إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)}
{يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ} فيه وجهان، أحدهما: أن يعبر بإيذائهما عن فعل ما يكرهانه ولا يرضيانه: من الكفر والمعاصي، وإنكار النبوّة، ومخالفة الشريعة، وما كانوا يصيبون به رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنواع المكروه، على سبيل المجاز. وإنما جعلته مجازاً فيهما جميعاً، وحقيقة الإيذاء صحيحة في رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا أجعل العبارة الواحدة معطية معنى المجاز والحقيقة.
والثاني: أن يراد يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: في أذى الله: هو قول اليهود والنصارى والمشركين: يد الله مغلولة وثالث ثلاثة والمسيح ابن الله والملائكة بنات الله والأصنام شركاؤه. وقيل: قول الذين يلحدون في أسمائه وصفاته.
وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حكى عن ربه: «شتمني ابنُ آدمَ ولم ينبغ لَهُ أنْ يشتمني، وآذَانِي ولم ينبغِ لَهُ أنْ يؤذيني، فأمّا شتمُهُ إياي فقولِه: إنِّي اتخذْتُ ولَداً. وأما أذاه فقولُه: إنّ الله لا يعيدني بعد أنْ بدأني» وعن عكرمة: فعل أصحاب التصاوير الذين يرمون تكوين خلق مثل خلق الله، وقيل: في أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم قولهم: ساحر، شاعر، كاهن، مجنون. وقيل: كسر رباعيته وشجّ وجهه يوم أحد. وقيل: طعنهم عليه في نكاح صفية بنت حيي، وأطلق إيذاء الله ورسوله، وقيد إيذاء المؤمنين والمؤمنات؛ لأن أذى الله ورسوله لا يكون إلاّ غير حق أبداً. وأما أذى المؤمنين والمؤمنات، فمنه ومنه. ومعنى {بِغَيْرِ مَا اكتسبوا} بغير جناية واستحقاق للأذى. وقيل: نزلت في ناس من المنافقين يؤذون علياً رضي الله عنه ويسمعونه. وقيل: في الذين أفكوا على عائشة رضي الله عنها. وقيل: في زناة كانوا يتبعون النساء وهنّ كارهات.
وعن الفضيل: لا يحل لك أن تؤذي كلباً أو خنزيراً بغير حق، فكيف، وكان ابن عون لا يكري الحوانيت إلا من أهل الذمّة، لما فيه من الروعة عند كرّ الحول.


{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (59)}
الجلباب: ثوب واسع أوسع من الخمار ودون الرداء تلويه المرأة على رأسها وتبقى منه ما ترسله على صدرها.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: الرداء الذي يستر من فوق إلى أسفل. وقيل: الملحفة وكل ما يستتر به من كساء أو غيره. قال أبو زبيد:
مُجَلْبَبٌ مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ جِلْبَابَا ***
ومعنى {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جلابيبهن} يرخينها عليهنّ، ويغطين بها وجوههنّ وأعطافهنّ. يقال: إذا زل الثوب عن وجه المرأة: أدنى ثوبك على وجهك، وذلك أن النساء كنّ في أول الإسلام على هجيراهنّ في الجاهلية متبذلات، تبرز المرأة في درع وخمار فصل بين الحرّة والأمة، وكان الفتيان وأهل الشطارة يتعرّضون إذا خرجن بالليل إلى مقاضي حوائجهنّ من النخيل والغيطان للإماء، وربما تعرّضوا للحرّة بعلة الأمة، يقولون: حسبناها أمة، فأمرن أن يخالفن بزيهنّ عن زي بلبس الأماء الأردية والملاحف وستر الرؤوس والوجوه، ليحتشمن ويهين فلا يطمع فيهن طامع، وذلك قوله: {ذلك أدنى أَن يُعْرَفْنَ} أي أولى وأجدر بأن يعرفن فلا يتعرّض لهن ولا يلقين ما يكرهن.
فإن قلت: ما معنى {مِن} في {مِن جلابيبهن}؟ قلت: هو للتبعيض. إلا: أن يكون معنى التبعيض محتمل وجهين، أحدهما: أن يتجلببن ببعض ما لهنّ من الجلاليب، والمراد أن لا تكون الحرة متبذلة في درع وخمار، كالأمة والماهنة الخادمه ولها جلبابان فصاعداً في بيتها.
والثاني: أن ترخي المرأة بعض جلبابها وفضله على وجهها تتقنع حتى تتميز من الأمة.
وعن ابن سيرين: سألت عبيدة السلماني عن ذلك فقال: أن تضع رداءها فوق الحاجب ثم تديره حتى تضعه على أنفها.
وعن السديّ: تغطي إحدى عينيها وجبهتها، والشقّ الآخر إلاّ العين، وعن الكسائي: يتقنعن بملاحفهنّ منضمة عليهنّ، أراد بالانضمام معنى الإدناء {وَكَانَ الله غَفُوراً} لما سلف منهن من التفريط مع التوبة؛ لأنّ هذا مما يمكن معرفته بالعقل.

8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15